[الكتابة باعتبارها وصفة علاجية لم تسمع عنها من قبل]

مقدمة
تبهرنا الكتابة بعظمتها وإمكانياتها، فقد قدمت لنا على مر السنين خدمات جليلة وأدت أدواراً متعددة ومتجددة، ومن ذلك اعتبارها وصفة علاجية ناجحة للتمتع بالصحة النفسية. لا تخلو الحياة من الضغوطات والمشاعر السلبية والمواقف المزعجة، ويزيد من أثر تلك الضغوطات والتراكمات النفسية ما يتسم به عصرنا من نمط الحياة المتسارع والركض وراء متطلبات الرفاهية، و هيمنة التقنية على مفاصل الحياة، وتأثير ثورة المعلومات والاتصال في حياة الفرد، ومحاولات مجاراة كل تلك التحديثات والتطورات، كل ذلك زاد من الاهتمام بالصحة النفسية وسلط الضوء على الكتابة بصفتها وصفة علاجية وأسلوب للاستشفاء الذاتي ووسيلة فعالة للوقاية من الأمراض النفسية والجسدية.
لماذا الكتابة علاج؟ لعل التفسير البسيط والمبدئي لذلك هو أنها فضفضة وتنفيس عما تضيق به النفس ويمتلئ به الصدر من الهموم، فيحدث بذلك تفريغ الهموم والوصل للراحة، وفي ذلك المعنى يقول الشاعر: 
شَكَوْتُ وما الشَّكْوى لِمِثليَ عادةٌ     ولكِنْ تَفيضُ النفسُ عِنْدَ امْتِلائِها  
وإن كانت الشكوى تكون في العادة لشخص آخر كما قال الشاعر: 
ولابد من شكوى إلى ذي مروءة   يواسيك أو يسليك أو يتوجّعُ
فإن الكتابة تأخذ صورة الشكوى للنفس والحديث معها والفضفضة لها، وهي فضفضة سهلة ومريحة ومأمونة.

  
الكتابة أكثر من مجرد فضفضة
على الأغلب فإن من مارس هذا النوع من الكتابة لمس أثرها السحري على الاستشفاء والتعافي واستعادة التوازن والتصالح مع النفس الداخلي وانعكاس ذلك على الصحة النفسية والجسدية، فقد أثبتت الدراسات أن الكتابة تساهم في علاج العديد من الأمراض النفسية مثل(١) : القلق والاكتئاب، والشعور بالحزن والخسارة، وتحسن مشاكل الأمراض المزمنة، والإدمان واضطرابات الأكل، بالإضافة إلى تحسين جهاز المناعة.

الكتابة علاج .. ابدأ الآن
يعتقد الكثير من الناس بأهمية الكتابة للصحة النفسية ولكن تبقى بعض التساؤلات التي ربما تحول بينهم وبين البدء في ممارسة العلاج بالكتابة، دعونا نستعرض بعضها ونناقشها سويا:

• ألا تحتاج إلى إشراف معالج نفسي؟ قد تحتاج فئة معينة من الناس إلى ذلك، ولكن الأصل فيها أنها لا تحتاج إلى مساعدة خارجية، ولا يحتاج المرء سوى القناعة بأهميتها وهو ما يحدث بمجرد البدء ولمس فوائدها.
• هل هناك أسلوب معين؟ الأمر أبسط بكثير مما تظن، فهي ليست كتابة أدبية تحتاج موهبة، إنما كلمات بسيطة وصادقة، لا تحتاج فيها إلى تدقيق إملائي أو نحوي بل حتى تستطيع الكتابة بالعامية إن كنت تجدها أدق في التعبير عن داخلك، ولا أحد سيرى كتابتك فأنت تكتب لنفسك بل تستطيع التخلص من تلك الورقة أو ذلك الملف متى شئت. اكتب بصدق وصراحة وتحرر من المخاوف.
• ما مقدار ما أكتب؟ هناك نصائح مختلفة تذكر عدد معين من الصفحات أو الدقائق للكتابة، ولكن الضابط الصحيح لذلك هو تحقق الهدف من تلك الكتابة وهو أمر يمكنك تقديره والتطور في ذلك. فقد تمتد إلى صفحات وقد تكون جملة واحدة أو بضعة أسطر، ومن صورها الشائعة تلك الكتابات وذلك البوح الذي نراه في منشورات مواقع التواصل مما يبدو وكأنه نفثةمصدور أو "حلطمات" لاسيما تحت الأسماء المستعارة .
• هل يصح أن نكتبها على الصفحات الإلكترونية؟ في الأصل أن الكتابة العلاجية هي كتابة خاصة وفي نشرها ما يعرض الفرد لانتهاك خصوصيته، فيجب أن نكون حذرين فيما ننشر. لكن من يستطيع أن يحول تجربته الذاتية إلى تجربة إنسانية عامة يستطيع مشاركتها مع الآخرين، وهنا يتحول من الكتابة العلاجية إلى الكتابة الإبداعية. 
• هل نكتب بالقلم أوبلوحة المفاتيح؟ لكل منا تفضيلاته الخاصة وليكتب كل بما يناسبه، وإن كان هناك قول بأن الكتابة بالقلم أفضل؛ لأن فيها بذل طاقة تضاف إلى طاقة التفكير مما يبطء من حدة الانفعالات التي تشوش التفكير ويفسح المجال للتفكير المنطقي ورؤية الأمور بوضوح. 
• ماذا نكتب وعن ماذا ؟ بعيدا عن التوصيات اكتب ما ترى أنك تحتاج أن تكتب عنه، اكتب عما يستهويك وما يغذي لديك الرغبة في التدوين لاحقًا، وإن كنت لا تجد ما تكتب عنه إليك أشهر مواضع الكتابة ومواضيعها:  

1. التدوين اليومي الحر: ليس له وقت محدد ولا موضوع محدد، بل تكتب عن أبرز المواقف التي تعرضت لها وموقفك منها ورؤيتك لها وتعاملك معها، أو مشاهداتك لما يحدث حولك، هذا النوع من الكتابة يمكن وصفه بالسيرة الذاتية التي توثق شخصيتك وطباعك وأيضا الأحداث التي عايشتها، وهي مفيدة في التعرف على نفسك واكتشاف ذاتك، ويمكن أن تكون وصفية وتأملية تعكس طريقة تفكيرك. 
2. الكتابة بعد المرور بموقف مزعج(2): من خلال تدوين الحدث أو المشكلة، ووصف تفاصيلها والمشاعر والأفكار المصاحبة، الكتابة تخلصك من الانفعال وتجعل الأمور أكثر وضوحا وتساعدك في تحسين سلوكك وردة فعلك، ومع الوقت تسهم في تنمية مهارات الذكاء العاطفي الذي يعد أساس النجاح في الحياة الشخصية والحياة العملية.
3. تدوينات الصباح(3): تصفي الذهن من الأفكار المزعجة والمشاعر السلبية التي في الليلة السابقة، وتتيح لك التعامل مع يومك الجديد بصفاء ووضوح وتهديك أفكارًا وحلولاً إبداعية لمسائل عالقة. اكتب قبل أن تقوم من فراشك وقبل أن تكون هناك مدخلات جديدة على ذهنك وحياتك، واستمتع بيوم سعيد.
4. تدوينات قبل النوم(4): أظهرت دراسة أن تدوينات ما قبل النوم تقلل من المشتتات والإفراط في التفكير والقلق مما يتيح النوم بشكل أسرع. ولعل أبرز ما يمكن أن تكتبه قبل النوم: تعداد نعم الله علينا في ذلك اليوم وشكره عليها، ثم كتابة الأفكار السلبية للتخلص منها على الورق وإخراجها من ذهنك، وكتابة قائمة مهام اليوم التالي حتى لا تبقى تدور في ذهنك. 

ما سبق كان أنواع الكتابة العامة التي يمكن استخدامها كعلاج واستشفاء أو وقاية من الأمراض، ويمكن أن نذكر هنا بعض الأنشطة الكتابية المحددة التي يمكن ممارستها من أجل صحة نفسية أفضل(5):

1. صِف المكان الذي يجعلك تشعر بالهدوء. هل هناك أي شيء يمكن إضافته لجعله أفضل؟
2. هل هناك أي أهداف ترغب في وضعها لتحسين صحتك الجسدية؟ حان الوقت الآن لبدء كتابتها.
3. اكتب قائمة بـ 100 سبب للاستيقاظ في الصباح.
4. ما هي الصفات التي تعجبك في نفسك؟
5. ضع قائمة بالأشياء التي تعيقك عن رغباتك واحتياجاتك وأهدافك ورغباتك. ما هي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها التغلب على هذه العقبات؟
6. تخيل نفسك بعد عام من الآن في مكان أفضل مما أنت عليه الآن. كيف يبدو ذلك؟

الكتابة نعمة من نعم الله التي ينبغي أن نستشعر قيمتها ونحمده عليها، وقد أصبحت اليوم أقرب ما تكون إلينا ولصيقة بأيدينا ما أمسكت يدنا بالهاتف الجوال، ومن شكر الله عليها استخدامها واستثمارها لتكون خير معين لنا للقيام بمهمتنا في الاستخلاف في الأرض وعمارتها في أحسن صحة وأطيب حياة، ننعم فيها براحة البال والسعادة.

المصادر:
(1) https://positivepsychology.com/writing-therapy/
(2) https://makkahnewspaper.com/article/1510154/تفاعل/العلاج-بالكتابة-ستة-أنواع-ذكية-وثلاثة-أساليب-مبتكرة
(3) https://www.masterclass.com/articles/tips-for-writing-morning-journal-pages#12-tips-for-writing-morning-pages
(4) https://jour.com/blog/journaling/cant-sleep-12-journaling-prompts-to-sleep-better
(5) https://www.disabilitydame.com/therapeutic-writing-prompts/