نظرة في يوم الكاتب
الكتابة عملية فكرية وأدبية سامية، فهي تخرج من روح كاتبها المليئة بالتجربة والاطلاع والمعرفة والكثير من التأمل ثمرة ناضجة تتلذذ بقراءتها وتستشعر ذلك في روحك وعقلك، لا سيما إذا ما تفاعلت مع النص وكأنه كُتب لك وحدك!
والكل بالتأكيد يرغب بأن تكون كتابته كذلك، لكن كيف السبيل للوصول إليها؟ الإجابة هي من روتين الكاتب نفسه!
اقرأ بوصفهِ أمرًا واجبًا كل يوم
كلمة السر التي لا تتوقعها هي أن تقرأ! نعم، فأولى محطات الكتابة المتقنة هي القراءة المركزة المتدبرة للأسطر المكتوبة في مؤلفات عظيمة لكتاب عظماء. عُرفوا بصحة الفكر وجودة التأليف، وبراعة تكوين الجمل والربط بينها، وصبغها بأسلوب أدبي رفيع، يجمع بين الجمال والبساطة في الوقت نفسه.
بواسطة القراءة تؤسس لمخزون لغوي، ومعرفي تستورد منه الفكرة، والمفردة، والجملة. فهذه مُدخلات مهمة في قانون العملية الكتابة الذي ينص على أن القراءة بالإضافة إلى مصادر معرفية أخرى تؤدي إلى مخرجات متمثلة في كتابة إبداعية احترافية. وهذا الهدف الأساسي لكل كاتب واعٍ بمكانة الكتابة وما يحتاج إليه صُنّاعها.
فلا يكفي افتخارك بمهارة الكتابة وحدها، فلن تفيدك شيئًا إذا ما توقفت يومًا وليس بمقدرتك كتابة حرف! والكتابة كغيرها من المهن والفنون لن تتأتى لك في صورتها الكاملة الساحرة ما لم تسعَ إلى تحصيل ذلك بعقلك وجسدك، بالقراءة والعلم والتحصيل والتدريب على أيدي المتخصصين، والتدريب الذاتي أيضًا.
اقرأ اليوم، وبعد ساعة، وفي الليلة، حتى غدًا وما بعده.
انظر للأشياء اليومية بعين مختلفة
من الموارد الأخرى المُعينة للكاتب في وصوله إلى غايته في كتابة رائعة هي التأمل، ونعني به التوقف قليلًا عند النظر للأشياء المعتادة، والتي فقدت بريقها لكثرة ما نراها بنظرة خاطفة. فأنت في كل يوم تقريبًا ترى حولك شجرة أو بابًا أو حتى قلمًا، فماذا لو رأيت هذه الأشياء بعدسة الكاتب؟ فتتخيل لو أن الشجرة تستمع لأحاديث الناس وقصصهم، والباب وفيٌ لصاحبه بحفظه لخصوصية مكانه وأسراره التي يشهدها كل ليلة؟ والقلم يئنّ لكثرة ما آلمه شدّ مستخدمه عليه ليفرغ فيه توتره أو خوفه وقلقه!
التأمل يمنح الكاتب صورًا أدبية جميلة، قد ينفرد بها عن غيره إن أحسن استنتاجها وصياغتها وإيصال المقصود منها.
عليك بالتأمل، واستمتع بالصورة المختلفة للأشياء ووظفها في نصوصك، وأمتع قرّاءك.
اقتطع وقتًا من أجل الكتابة
من أهم الأمور في تحقيق كتابة مترابطة الجمل، غنية بالمفردات، مجوّدة الأسلوب هي ممارسة الكتابة. فمن أجل أن تكتب جيدًا لا بد أن تكتب باستمرار.
ولا تنتظر توافر الظروف المثالية لأن تكتب، بل اكتب في أي مكان، وأي وقت. وليكن معك ما يعينك على ذلك مثل: دفتر صغير، أو ملاحظات الهاتف أو حتى لو اضطررت لأن تكتب فكرة طارئة على ورقة فاتورة فافعل! المهم أن تدوّن الأفكار. فقد تكون هذه الأفكار بذرة لنص أو مؤلّف تعمّر شجرته طويلًا في تاريخك الأدبي، فلا تقلل من شأن أي فكرة.
أما عن المواضيع، فبإمكانك استلهامها من داخلك من تجاربك، والبيئة حولك، ومن تصفحك للكتب والوسائل الاجتماعية، المهم أن تكتب وتكتب وتكتب.
فهذه الممارسة تسرّع لاحقًا من تدفق الكلمات أثناء كتابتك للنصوص، وتقلل الوقت المستغرق لإنجازها، بالإضافة إلى إنتاج نصوص مكتملة الجمال من النواحي جميعها.
هاتفك المحمول والكتابة
مثل غيرك تقضي وقتًا لا بأس به على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذلك من الممتع أن تستمع إلى برامج صوتية أو مرئية تقدم فائدة واضحة، كأن يكون: بودكاست، لقاء يوتيوب، وما شابه.
وهناك آلاف القنوات الرقمية التي تقدم محتوى معرفي ثقيل الوزن، وعليك الاختيار لما هو مناسب لك، وتتوقع أن يُثري معرفتك بشيء جديد أو شيء اعتيادي مُتناول بطريقة غير اعتيادية.
بهذه الطريقة تُنوع ما بين وسائل المعرفة، وتستمع للكلمات في نوع من التغيير عن شكلها وهي مكتوبة على الورق. ورغم اختلاف شكل المصدر المعرفي إلا أنه تؤدي بك إلى حقيقة واحدة، وهي الإفادة والإثراء من أجل الكتابة.
المهم أن تستفيد مما بين يديك من اختراع يجمع العالم كله لك في مكان واحد، وتسخره للكتابة في روتينك اليومي قدر المستطاع.
يوم الكاتب الذي يعرف مسؤوليته تجاه الكتابة يختلف عن يوم غيره، فهي ليست وظيفة يؤدي مهامها أثناء الكتابة وينصرف بعدها لعالمه المشحون بالأحداث والواجبات، بل تكون معه طيلة لحظات يومه. ويحتاج فقط لأن يعطيها من وقته تركيزًا، وفراغًا، وإقبالًا عليها. وكلما زاد الوقت المتاح للكتابة زادت استفادته، مع التذكير بضرورة التركيز والتجويد، فنصفُ ساعة كتابة بتركيز أفضل من ساعتين كتابة بتشتت وضياع.
إذا أعطيت الكتابة حقها، تُعطي نصوصك حقها من الإبداع وزيادة.