الإلهام يأتي قبل كل شيء
ألهمتني اللوحة الفنية تلك لأكتب هذا النص، استلهمتُ فكرة النص، كثيرًا ما تجد هذه الكلمة دارجة على ألسن الكتاب، ويبدو أنها كلمة السر التي ينطلقون منها لكتابة إبداع على أسطر الورق!
الإلهام هو شرارة الكتابة
الإلهام في معجم الكتابة هو الشرارة التي تقدح للكاتب بفكرة النص، كأن يرى طفلًا يمشي بأمان العالم كله مع والده وبيده قطعة كعك بالشوكولاتة. فقط هذا المشهد لو توقف عنده قليلًا لجاءته فكرة قصيدة، أو خاطرة أو حتى رواية!
ولا تقتصر هذه الشرارة على المشاهد البصرية من حول الكاتب، بل يمكنه أن يجدها في داخله حيث تجارب العمر الجميلة والسيئة على حدٍ سواء، حيث مواقفه الشخصية مع الآخرين، حيث كل شيء يخصه وينتمي إليه.
والإلهام هو اللوحة الفارقة في اتجاه الكاتب في رحلته نحو كتابة نص جميل، يأخذ بألباب قرّائه إذا ما وظف الفكرة جيدًا، وصهرها في قالب الأسلوب، واختار الكلمات المناسبة، وأبدع تكوين النص واكتمال أركانه.
ولا يأتي هذا الإلهام دائمًا إلى الكاتب، بل في بعض الأحيان يلجأ الكاتب لأن يستدعي الإلهام بمساعدة مصادر عدة تنجح في إلهام الكاتب لكتابة ما ينوي على كتابته نثرًا، مقالًا، أيًا كان نوع النص.
من أين يأتي الإلهام؟
يمكن للكاتب أن يستعين بالأدوات المختلفة حوله، وهي سهلة الوصول بالتأكيد، كأن يقف عند لوحة فنية يتأملها طويلًا، ويضع العدسة على تفاصيلها، ويستشعر المعاني التي تنقلها إليه. وبامتزاجها مع أفكار الكاتب ومشاعره وتجاربه يمكن أن يأتيه إلهام الكتابة.
والأماكن المزدحمة ثرية بالمشاهد التي قد يستوحي منها الكاتب موضوع النص، فهناك أناس عاديون يجلسون على الطرقات، وهناك آخرون في أعلى المقاعد يتناولون أشهى الأطباق. وهذا شاب بحيوية عمره يتسوق وذاك عجوز يتكئ على عصا السنين ويتأمل في الشاب أيام شبابه التي ذهبت للأبد.
وقد لا يحتاج الكاتب لأن يذهب بعيدًا طلبًا للإلهام، فبتغيير بيئة العمل كأن ينتقل لمحل قهوة قريب، أو شرفة حجرته ليجلس ويكتب، من الممكن أن يأتيه الإلهام بهذه الطريقة.
ولا يظن أحدٌ أن الإلهام محصور على البيئة المادية من حول الكاتب فحسب، فمن الكتب والنشرات المقروءة، والمواد المسموعة يمكن أن يلتقط فكرة ملهمة يبدأ بها أول حرف في النص ولا يقف إلا عند نقطة انتهائه.
مصادر الإلهام كثيرة، ويمكن للكاتب الاستعانة بها حين استعصاء موضوع النص عليه، فهي شرارة البداية التي تُعلن بذلك جريان سيل من الكلمات والعبارات التي تروي الورق ليُزهر بنص جميل تستمع به ذائقة القراء.
طقوس الكتابة
بعد أن أتى الإلهام، يأتي استعداد الكاتب للكتابة، فيجلس ويُحضر القلم والورقة أو يفتح مستند الكتابة عبر الحاسب الآلي حسب ما يفضل الكتابة عليه، ويبدأ الكتابة!
هذه الفكرة المعتادة عن الكاتب دائمًا، لكن جلسة الكتابة هذه ليست بهذه السهولة. فلو أمعنا النظر حول الكاتب ومكانه الذي هيأه للكتابة، لوجدنا هناك شيئًا معينًا أعده الكاتب لمهمة كتابة النص الذي قدح له الإلهام فكرته.
من الممكن أن يكون هذا الشيء قهوة، شاهي، أو ركن منعزل تمامًا عن الضوضاء، أو مقطعًا صوتيًا يسمعه. هذه كلها تمثل في صورتها الكاملة في مشهد الكتابة ما يسمى بـ(طقس الكتابة).
طقس الكتابة المعني به إعداد الأجواء المناسبة للكاتب حتى يكتب نصوصه، وعلى اختلاف هذه الأجواء إلا أن معظم الكتّاب ملتزمين بها، ولا ريب في أنها ضرورية؛ كون عملية الكتابة تحتاج إلى التركيز وتخصيص الوقت لها. فليس من السهل كتابة نص رائع من أول مرة!
وليس هناك طقس معين مُثمر بنص متفرد، بل الفكرة في الطقس هي أنه عامل مساعد للدخول في جو الكتابة، يستعد الكاتب بإعداد هذا الطقس للكتابة، وبالتالي تحقق له أقصى استفادة ممكنة من الوقت الذي خصصه للكتابة.
يقول خالد حُسيني، مؤلف كتاب عدّاء الطائرة الورقية عن طقسه في الكتابة:" أكتب في الوقت الذي يكون فيه أطفالي في المدرسة، عندها يخيم الهدوء في أرجاء المنزل، أنعزل في مكتبي مع كوب القهوة والكمبيوتر".
فعلى الكاتب أن يختار طقسه المناسب للكتابة، وليس بالضرورة أن يستخدم طقس كاتبٍ آخر، فما يلائم هذا الكاتب قد لا يلائم ذاك الكاتب!
اختر طقسك الكتابي، وأعده جيدًا، وانطلق للكتابة